الثلاثاء، 21 يناير 2014

نفخة البعث


عادت الأرض كما كانت لا مخلوق فيها، ملك لخالقها سبحانه، فتمكث الأرض كذلك ما شاء الله لها أن تمكث، ثم يبعث الله إسرافيل لينفخ في البوق مرة أخرى، وهذه النفخة الثانية، وهي الإيذان بقيام القيامة، ودخلنا في مسألة البعث، قال تعالى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق:41-42] أي: ينادي إسرافيل، وربما ينادي حملة العرش، -على خلاف في الروايات- وربما ينادي مناد من عند الله لا ندري من هو: يا أيتها العظام النخرة، يا أيتها اللحوم المتناثرة! قومي لفصل القضاء أمام الله رب العالمين، كما قال الله تعالى: يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ [القمر:7]، وكما قال سبحانه: كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج:43] فيقول الله لهم: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ[المؤمنون:112] فيقولون: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ [المؤمنون:113] أي: اسأل الذين يعدون، أما نحن فلا نعرف كم لبثنا؟
أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة نبينا صلى الله عليه وسلم، فيقول جبريل والملائكة في لقائه: مرحباً يا خير خلق الله، وفي رواية ابن ماجه والإمام أحمد أن سبعين ألفاً من الملائكة تشرف بلقاء الحبيب وهو قائم من قبره، وهذا التشريف خاص بسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو خارج من القبر، فيقول: كيف حال أمتي يا جبريل؟
أول ما يفتح عينيه يسأل: كيف حال الأمة؟ ما أعظم حنانك وعطفك على الأمة يا رسول الله! كما قال الله عنه:بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، أفلا يستحق أن نصلي عليه ليل نهار؟ ألا يستحق أن نحبه حباً جماً؟ ألا يستحق أن نسير خلفه وفي طريقه، ألا أيستحق أن نطيعه فيما قال وأمر، قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
لذلك سيدنا أنس يبكي وهو يوضئ الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالماء ينزل من الإبريق من يد أنس رضي الله عنه وهو يبكي، وأنس خدم الرسول عشر سنوات، أمه أسلمته للحبيب وهو في العاشرة، فمكث يخدم المصطفى إلى عشرين سنة، وعنده من العمر خمس عشرة سنة وهو يبكي! لأنه تربى في بيت النبوة، فقال: يا رسول الله! تذكرت يوم تقوم الساعة، تكون أنت عند الله عز وجل في درجة عالية، وأنا لا أدري أين أكون؟
فهذا حال سيدنا أنس رضوان الله عليه، فلذا يكرمه الله عز وجل ومن على شاكلته ومن يسير في طريقه بما في قوله تعالى: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.
 المواطن التي يفر المرء فيها من كل قريب
وهذه السيدة عائشة تبكي بكاءً مراً على الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: (ما لك يا عائش)، وكان يلاطفها، وهو حنون على زوجاته، فقالت: أيذكر ويعرف بعضنا بعضاً يا رسول الله يوم القيامة، أو (هل كلنا سيعرف الآخر عندما نخرج من القبور؟ قال: يعرف بعضنا بعضاً ويذكر بعضنا بعضاً، إلا في مواطن ثلاثة) في مواطن ثلاثة، متى يا حبيب الله؟ وفي رواية الإمام أحمد : (مواطن أربعة)، في رواية الإمامابن ماجه والترمذي ومسلم : (في مواطن ثلاثة).وهي كالتالي: أولها: (عندما نخرج من قبورنا، لا يسأل حميم حميماً) أي: لا أحد يسأل عن أحد، لو لقيت أباك أو ابنك بجانبك لفررت منه، وكذا امرأتك، فيفر الإنسان من كل من يعرف في هذا الموقف.ثانيها: (عند تطاير الصحف) .وثالثها: (عند نصب الموازين أيثقل أم يخف) اللهم اجعلنا من الذين تثقل موازينهم يا رب العالمين.ورابعها: (عند الصراط، أيهتز به الجسر أم يثبت قدمه عليه).اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.يقوم الناس من قبورهم على غير هدى، من لدن آدم إلى آخر إنسان على الأرض، الراعي الذي ستقوم عليه الساعة، هو آخر من سيموت، ثم تقوم الساعة عليه ويموت وهو وسط غنمه، من أبينا آدم إلى هذا الراعي يعني: إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل خارج من القبور من جميع أنحاء العالم يتجه إلى مكان واحد، لكن المؤمن الثابت الإيمان، التقي، النقي، الطاهر، الشريف على باب قبره ينتظره الملكان اللذان كانا أصحابه في الدنيا، أي: ملك الحسنات وملك السيئات، يثبتانه بالقول الثابت.اللهم اجعلنا منهم يا رب، فالمؤمن الثابت، التقي، النقي ينتظره رقيب وعتيد يثبتانه: لا تخف، مثل أن تنزل أرضاً أو بلداً غريبة، فتلقى في المطار أناساً يتكلمون باليابانية وآخرون بالصينية، وأنت لا تعرف يابانية ولا صينية، ثم تجد صديقك، له عشرون سنة في هذه البلاد، فقال لك: أهلاً وسهلاً كيف حالك؟ وماذا تعمل؟فكذلك الملكان يثبتانه في القبر، ويلقنان المؤمن الحجة، اللهم لقنا حجتنا يا رب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق